ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي رتبة الهجمة وقداس الفصح، في كاتدرائية سيدة النياح في دمشق، يعاونه لفيف من المطارنة والكهنة.
بعد الانجيل المقدس، تلا العبسي رسالة الفصح، قائلا: "المسيح قام. يعز علينا أن نطلق هذه الصرخة التي ننتظرها من عام إلى عام في كنائس خلت منكم أيها الأبناء والبنات الأحباء حيثما كنتم. المسيح قام. يعز علينا أن نطلق صرخة الإيمان والانتصار التي قضينا خمسين يوما نتهيأ لها في الصلاة والصوم وليس في كنائسنا من يرد علينا حقا قام. يعز علينا أن نرنم المسيح قام من بين الأموات، ولا نسمع أصواتكم تهدر بها معبرة عن شدة فرحكم. يعز علينا أن لا تتمكنوا من الحصول على زيت التائبين ولا على المناولة الفصحية، على جسد الرب يسوع المسيح مخلصنا ودمه المقدسين، في فصحه، في ذكرى موته وقيامته"،
وأكد أن "احتفالنا تشوبه في هذا العام غصة في القلب، فالكنائس فارغة من المؤمنين، وليست من المؤمنين وحسب بل أيضا وخصوصا من أطفالنا الأحباء. أولئك الأطفال الذين يرسمون لنا علامة الرجاء والفرح بنضارتهم، بنقاوتهم، ببراءتهم، بابتساماتهم، بتغريداتهم، أولئك الأطفال الذين يذكروننا بأن ملكوت السماوات لهم ولأمثالهم، بأن المستقبل لهم، المستقبل الذي نرجو أن يكون أكثر إنسانية، أكثر تضامنا وتراحما وتحابا بحيث تتناقص وإن أمكن تزول الفروقات بين الناس، وبحيث يقوم عالم جديد، عالم العدالة والمساواة والسلام والفرح، فالأرض فيها متسع وخيرات لجميع قاطنيها. سكت أطفالنا هذا العام إلا أن الحجارة تتكلم. حجارة كنائسنا تصدح بأصواتهم التي اختزنتها سنة بعد سنة وترنم حقا قام. في هذا العام أدركنا بإحساس خاص معنى الصليب الخلاصي والقيامة المحيية وارتباط أحدهما بالآخر. دخلنا أسبوع الآلام المقدسة الخلاصية بجو من الفرح والسلام الداخليين، لا بحزن ولا بخوف، لأن السيد بموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث غلب الموت وأدخل إلى قلوبنا الرجاء والإيمان بأنه منتصر على الألم والشر. وكم نحن في حاجة إليهما، إلى الرجاء والإيمان، في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها في الألم، في القلق والخوف من وباء الكورونا الذي اجتاح العالم. في هذه الأيام نستذكر كلام القديس بولس إلى أهل رومة: إن الشدة تنشئ الصبر، والصبر الفضيلة المختبرة، والفضيلة المختبرة الرجاء، والرجاء لا يخزي لأن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه".
واضاف: "يعود عيد قيامة السيد المسيح في هذا العام، عام كورونا، ليذكر المؤمنين بنوع خاص، من بعد ما رأينا ونرى كيف يتعامل الناس في أجوائه، كيف يتولاهم القلق والهلع، بأن الموت ليس أمرا عاديا وخاتمة طبيعية للإنسان ما بعدها شيء، وهو ليس أمرا لا يستحق ولا يستدعي الاهتمام والتفكير وشغل البال، بل الموت عدو البشرية الألد والأقوى. بيد أن العيد يطل علينا أيضا وكما في كل عام ليذكرنا بأن السيد المسيح بقيامته من بين الأموات قد قضى على الموت قضاء نهائيا وتاما. عيد اليوم يذكرنا بأن الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للحياة، ليسوع المسيح الذي هو القيامة والحياة. فالله إله أحياء لا إله أموات. لم يقل الله للإنسان كن ليموت بل ليحيا إلى الأبد. والموت مهما قويت شوكته هو مائت لا محالة: لقد ابتلع الموت في الغلبة. فالكلمة التي يقولها لنا الرب يسوع في يوم قيامته، هي إذن كلمة رجاء، كلمة تبعث وتوقد فينا الرجاء، كلمة تمدنا بالقوة على محاربة الموت بكل أشكاله، وما أكثر هذه الأشكال في عالمنا، تحيط بنا وتحاربنا وتتغلغل في حياتنا. فكورونا الذي يضربنا في هذه الأيام ليس الوباء الوحيد والأخطر".
وقال: "هناك الموت في ما بين العلاقات البشرية، العلاقات بين الأفراد، العلاقات بين أعضاء الأسرة، العلاقات بين أفراد الرعية، العلاقات بين المجتمعات، العلاقات بين الدول. كثير من هذه العلاقات تسرب إليها الموت إذ قد طغت عليها وأفسدتها الأنانية والفردية والعصبية والعدائية وكادت تقضي عليها زارعة الموت فيها. وقد رأينا مع الأسف في أزمة كورونا مثالا على ذلك، رأينا دولا تمتنع أن تساعد دولا أخرى في حاجة ماسة لأنها ليست من سياستها أو لا تأتمر بأوامرها أو حتى لأنها في نظرها لا قيمة لها، ورأينا أفرادا تركض للاستئثار بأشياء حياتية وكأن الغير ليس له الحق في العيش والحياة. تدعونا قيامة الرب يسوع إلى ترميم هذه العلاقات، إلى الثقة بعضنا ببعض. تدعونا القيامة إلى النظر إلى الآخر على أنه أخ وصديق هو ليس عدوا أو خصما. تدعونا القيامة إلى أن نحب العالم كما أحبه السيد. بهذا يعرف أبناء الله، كما يقول القديس أوغسطينوس، وهو أن من لم يرع العدل ولا يحب أخاه ليس من الله. فالمحبة إذا وحدها هي العلامة الفارقة لأبناء الله ضد أبناء الشيطان. نشعر اليوم كم نحن في حاجة أن نعيد للعائلة، للمدرسة، للرعية أهميتها ومكانتها ودورها في مجتمعاتنا لأنها بيئة صالحة لنسج العلاقات الطيبة والجيدة".
وأكد أنه "في هذه الأيام والمواسم الخلاصية المحيية نصلي بعضنا من أجل بعض. نصلي من أجل أن لا تطول جائحة كورونا التي نزلت بالعالم، من أجل المصابين أن يشفيهم الرب الإله وأن يرحم من رقد منهم، ومن أجل جميع الذين هبوا لدرء الخطر الداهم من أطباء وممرضين وعلماء ومعنيين وتقنيين ومؤسسات وحكومات ومسؤولين وغيرهم أن يبارك الله عملهم، من أجل بلادنا ومن أجل العالم كله أن يتمكن من التغلب على الوباء بعمل مشترك ومتضافر وبقلب واحد وعزيمة واحدة وفي عمل محبة شاملة لا تعرف حدودا أيا كانت، من أجل كل واحد منا أن يستخلص عبرة ويرى ما في وسعه أن يقدم من مساعدة للتخفيف من المعاناة. نصلي من أجل أن يحل في بلادنا كلها الأمان والمسالمة والاستقرار والازدهار. نصلي من أجل العالم أجمع لكي يعم فيه السلام والعدالة. ومع الصلاة لا ننسى الغفران، أن نغفر بعضنا لبعض. هذا الغفران تعلمنا الكنيسة في صلوات العيد أنه نبع من القبر. نبع الغفران من القبر دافنا فيه صراعاتنا وخلافاتنا، صعوباتنا ومشاكلنا، متاعبنا وهمومنا، مراراتنا وخيباتنا، خطيئتنا وضعفنا... دافنا الموت. ولننشد مع الكنيسة برجاء وإيمان، بفرح ونشوة، بتفاؤل وعزيمة، قائلين: اليوم يوم القيامة فلنتفاخر بالموسم أيها الإخوة. ليصافح بعضنا بعضا، ولنصفح لمبغضينا عن كل شيء في القيامة، ولنهتف قائلين المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور".